موضوع: اسماء الله الحسنى ((الجزء الثالث)) الإثنين مايو 05, 2008 10:42 am
الغني
قال الله تعالى : ( وأنه هو الغني وأقنى) . وقال الله تعالى : ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) فهو تعالى (الغني) الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته التي لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه ، ولا يمكن أن يكون إلا غنياً فإن غناه من لوازم ذاته ، كما لا يكون إلا محسناً ، جواداً ، براً رحيماً كريماً ، والمخلوقات بأسرها لا تستغني عنه في حال من أحوالها ، فهي مفتقرة إليه في إيجادها ، وفي بقائها ، وفي كل ما تحتاجه أو تضطر إليه ، ومن سعة غناه أن خزائن السماوات والأرض والرحمة بيده ، وأن جوده على خلقه متواصل في جميع الأوقات ، وأن يده سخاء الليل والنهار ، وخيره على الخلق مدرار . ومن كمال غناه وكرمه أنه يأمر عباده بدعائه ، ويعدهم بإجابة دعواتهم وإسعافهم بجميع مراداتهم ، ويؤتيهم من فضله ما سألوه وما لم يسألوه ، ومن كمال غناه أنه لو اجتمع أول الخلق وأخرهم في صعيد واحد فسالوه ، فأعطى كلاً منهم ما سأله وما بلغت أمانيه ما نقص من ملكه مثقال ذرة ، ومن كمال غناه وسعة عطاياه ما يبسطه على أهل دار كرامته من النعيم واللذات المتتابعات ، والخيرات المتواصلات ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. ومن كمال غناه أنه لم يتخذ صاحبة ، ولا ولداً ، ولا شريكاً في الملك ، ولا ولياً من الذل ، فهو الغني الذي كمل بنعوته وأوصافه ، المغني لجميع مخلوقاته . والخلاصة أن الله الغني الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه وهو الغني جميع خلقه ، غنى عاماً ، والغني لخواص خلقه ، بما أفاض على قلوبهم ، من المعارف الربانية ، والحقائق الإيمانية .
الحكيم
قال الله تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ) . هو تعالى (الحكيم) الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات ، فالحكيم هو واسع العلم والإطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها ، واسع الحمد ، تام القدرة ، عزيز الرحمة فهو الذي يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره ، فلا يتوجه إليه سؤال ، ولا يقدح في حكمته مقال. وحكمته نوعان : أحدهما : الحكمة في خلقه ، فإنه خلق الخلق بالحق ومشتملاً على الحق ، وكان غايته والمقصود به الحق ، خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام ، ورتبها أكمل ترتيب ، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به . بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته ، فلا يرى أحد في خلقه خللاً ، ولا نقصاً ، ولا فطوراً ، فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا ، وأنى لهم القدرة على شئ من ذلك وحسب العقلاء الحكماء منهم أن يعرفوا كثيراً من حكمه ، ويطلعوا على بعض ما فيها من الحسن والإتقان . وهذا أمر معلوم قطعاً بما يعلم من عظمته وكمال صفاته وتتبع حكمه في الخلق والأمر ، وقد تحدى عباده وأمرهم أن ينظروا ويكرروا النظر والـتأمل هل يجدون في خلقه خللاً أو نقصاً ، وأنه لا بد أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شئ من مخلوقاته. النوع الثاني : الحكمة في شرعه وأمره ، فإنه تعالى شرع الشرائع ، وأنزل الكتب ، وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدونه ، فأي حكمة أجل من هذا ، وأي فضل وكرم أعظم من هذا ، فإن معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له ، واخلاص العمل له وحده لا شريك له ، واخلاص العمل له وحمده ، وشكره والثناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق ، وأجل الفضائل لمن يمن الله عليه بها . وأكمل سعادة وسرور للقلوب والأرواح ، كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية والنعيم الدائم ، فلو لم يكن في أمره وشرعه إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات ، وأكمل اللذات ، ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء وخلقت الجنة والنار ، لكانت كافية شافية . هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير فأخباره تملأ القلوب علماً ، ويقيناً، وإيماناً ، وعقائد صحيحة ، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها ، وتثمر كل خلق جميل وعمل صالح وهدى ورشد . وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا ، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ، ولا ينهي إلا عما مضرته خالصة أو راجحة . ومن حكمه الشرع الإسلامي أنه كما أنه هو الغاية لصلاح القلوب ، والأخلاق ،والأعمال ، والاستقامة على الصراط المستقيم ، فهو الغاية لصلاح الدنيا ، فلا تصلح أمور الدنيا صلاحاً حقيقياً إلا بالدين الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل ، فإن أمة محمد لما كانوا قائمين بهذا الدين أصوله وفروعه وجميع ما يهدي ويرشد إليه ، كانت أحوالهم في غاية الاستقامة والصلاح ، ولما انحرفوا عنه وتركوا كثيراً من هداه ولم يسترشدوا بتعاليمه العالية ، انحرفت دنياهم كما أنحرف دينهم . وكذلك نظر إلى الأمم الأخرى التي بلغت في القسوة ، والحضارة ، والمدنية مبلغاً هائلاً ، ولكن لما كانت خالية من روح الدين ورحمته وعدله ، كان ضررها أعظم من نفعها ، وشرها اكبر من خيرها ، وعجز علماؤها وحكماؤها وساستها عن تلافي الشرور الناشئة عنها ، ولن يقدروا على ذلك ما داموا على حالتهم . ولهذا كان من حكمته تعالى أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والقرآن أكبر البراهين على صدقه وصدق ما جاء به ، لكونه محكماً كاملاً لا يحصل إلا به. وبالجملة فالحكيم متعلقاته المخلوقات والشرائع ، وكلها في غاية الأحكام ، فهو الحكيم في أحكامه القدرية ، وأحكامه الشرعية ، وأحكامه الجزائية ، والفرق بين أحكام القدر وأحكام الشرع أن القدر متعلق بما أوجده وكونه وقدره ، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . وأحكام الشرع متعلقة بما شرعه . والعبد المربوب لا يخلو منهما أو من أحدهما ، فمن فعل منهم ما يحبه الله ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان ، ومن فعل ما يضاد ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري ، فإن ما فعله واقع بقضاء الله وقدره ولم يوجد في الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحبه الله ويرضاه . فالخير والشر والطاعات ، والمعاصي كلها متعلقة وتابعة للحكم القدري ، وما يحبه الله منها هو تابع الحكم الشرعي ومتعلقه والله أعلم .
العفو الغفور الغفار
قال الله تعالى : ( إن الله لعفو غفور) الذي لم يزل ، ولا يزال بالعفو معروفاً ، وبالغفران والصفح عن عباده ، موصوفاً . كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه . وقد وعد بالمغفرة والعفو ، لمن أتى بأسبابها ، قال تعالى : ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) . والعفو هو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من عباده من الذنوب ، ولا سيما إذا أتوا بما يسبب العفو عنهم من الاستغفار ، والتوبة ، والإيمان ، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة ، والإيمان ، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات ، وهو عفو يحب العفو ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه : من السعي في مرضاته ، والإحسان إلى خلقه ، ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع غفر له جميع جرمه صغيره وكبيره ، وأنه جعل الإسلام يحب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها . قال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هــو الغفور الرحيم ) وفي الحديث (إن الله يقول) : ( يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لآتينك بقرابها مغفرة ) . وقال تعالى : ( إن ربك واسع المغفرة ) . وقد فتح الله عز وجل الأسباب لنيل مغفرته بالتوبة ، والاستغفار ، والإيمان ، والعمل الصالح ، والإحسان إلى عباد الله ، والعفو عنهم ، وقوة الطمع في فضل الله ، وحسن الظن بالله وغير ذلك مما جعله الله مقرباً لمغفرته .